کد مطلب:168015 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:135

ذو حسم
وهو جبل یقع بین شراف وبین منزل البیضة، كان النعمان بن المنذر ملك الحیرة یصطاد فیه. [1] .

روی الطبری عن الرجلین الاسدیین (عبداللّه بن سُلَیم والمذریّ بن المشمعل) قالا: (ثمَّ ساروا منها أی شراف فرسموا صدر یومهم حتی انتصف النهار، ثم إنّ رجلاً قال: اللّه اكبر!


فقال الحسین: اللّه أكبر! ما كبّرت؟

قال: رأیت النخل!

فقال له الاسدیان: إنّ هذا المكان ما رأینا به نخلة قطّ!

قالا: فقال لنا الحسین: فما تریانه رأی؟

قلنا: نراه رأی هوادی الخیل!

فقال: وأنا واللّه أری ذلك!.. أما لنا ملجاء نلجاء إلیه نجعله فی ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟

فقلنا له: بلی، هذا ذو حُسم إلی جنبك تمیل إلیه عن یسارك فإنْ سبقت القوم إلیه فهو كما ترید.

قال فأخذ إلیه ذات الیسار، قال ومِلْنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علینا هوادی الخیل فتبینّاها وعدلنا، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطریق عدلوا إلینا كأنَّ أسنّتهم الیعاسیب! وكأنّ رایاتهم أجنحة الطیر!

قال فاستبقنا إلی ذی حُسم فسبقناهم إلیه، فنزل الحسین فأمر بأبنیته فضُربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن یزید التمیمی الیربوعی حتّی وقف هو وخیله مقابل الحسین فی حرّ الظهیرة، والحسین وأصحابه معتمّون متقلّدو أسیافهم!

فقال الحسین لفتیانه: إسقوا القوم وارووهم من الماء! ورشّفوا الخیلَ ترشیفاً!

فقام فتیانه فرشّفوا الخیل ترشیفاً، فقام فتیة وسقوا القوم من الماء حتّی أرووهم! وأقبلوا یملؤون القصاع والاتوار والطّساس من الماء ثمّ یُدنونها من الفرس، فإذا عبَّ فیه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه وسقوا آخر حتّی سقوا الخیل كلّها.


قال هشام: حدّثنی لقیط، عن علیّ بن الطّعان المحاربی: كنت مع الحرّ بن یزید، فجئت فی آخر من جاء من أصحابه، فلمّاء رأی الحسین مابی وبفرسی من العطش قال: أنِخْ الراویة والراویة عندی السقاء ثمّ قال: یا ابن أخی، أنخ الجمل! فأنخته، فقال: إشرب. فجعلتُ كلّما شربتُ سال الماء من السقاء، فقال الحسین: أخنث السقاء أی إعطفه قال جعلت لاأدری كیف أفعل! قال فقام الحسین فخنثه، فشربت وسقیتُ فرسی.

قال: وكان مجیء الحرّ بن یزید ومسیره إلی الحسین من القادسیة، وذلك أنّ عبیداللّه بن زیاد لمّا بلغه إقبال الحسین بعث الحصین بن نمیر التمیمی وكان علی شُرطه، فأمره أن ینزل القادسیة وأن یضع المسالح، فینظّم ما بین القطقطانة إلی خفّان! وقدّم الحرّ بن یزید بین یدیه فی هذه الالف من القادسیة فیستقبل حُسیناً!

قال فلم یزل موافقاً حُسیناً حتی حضرت الصلاة صلاة الظهر، فأمر الحسین الحجّاجَ بن مسروق الجعفی أن یؤذّن فأذّن، فلمّا حضرت الاقامة خرج الحسین فی إزارٍ ورداءٍ ونعلین، فحمد اللّه وأثنی علیه، ثم قال:

أیها النّاس، إنّها معذرة إلی اللّه عزّ وجل وإلیكم! إنّی لم آتكم حتّی أتتنی كتبكم وقدمت علیَّ رسلكم: أن أقدم علینا فإنّه لیس لنا إمام. لعلّ اللّه یجمعنا بك علی الهدی، فإن كنتم علی ذلك فقد جئتكم، فإن تعطونی ما أطمئنّ إلیه من عهودكم ومواثیقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمی كارهین انصرفت عنكم الی المكان الذی أقبلتُ منه إلیكم!

قال فسكتوا عنه، وقالوا للمؤذّن: أقم. فأقام الصلاة.

فقال الحسین علیه السلام للحرّ: أترید أنْ تصلّی بأصحابك؟

قال: لا، بل تصلّی أنت ونصلّی بصلاتك!


قال فصلّی بهم الحسین، ثمّ إنّه دخل واجتمع إلیه أصحابه، وانصرف الحرّ إلی مكانه الذی كان به، فدخل خیمة قد ضُربت له، فاجتمع إلیه جماعة من أصحابه، وعاد أصحابه إلی صفّهم الذی كانوا فیه فأعادوه، ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس فی ظلّها.

فلمّا كان وقت العصر أمر الحسین أن یتهیؤا للرحیل، ثمّ إنّه خرج فأمر منادیه فنادی بالعصر وأقام، فاستقدم الحسین فصلّی بالقوم ثمّ سلّم وانصرف الی القوم بوجهه، فحمد اللّه وأثنی علیه، ثمّ قال:

أمّا بعدُ أیها النّاس، فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحقَّ لاهله یكنْ أرضی للّه، ونحن أهل البیت أولی بولایة هذا الامر علیكم من هؤلاء المدّعین ما لیس لهم، والسائرین فیكم بالجَوْر والعدوان! وإنْ أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأیكم غیر ما أتتنی كتبكم وقدمت به علیَّ رسلكم انصرفت عنكم!

فقال له الحرّ بن یزید: إنّا واللّه ما ندری ما هذه الكتب التی تذكر!

فقال الحسین: یا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجَیْن اللذین فیهما كتبهم إلیَّ! فأخرج خرجَیْن مملوئین صحفاً، فنشرها بین أیدیهم!

فقال الحرُّ: فإنّا لسنا من هؤلاء الذین كتبوا إلیك، وقد أُمرنا إذا نحن لقیناك ألاّ نفارقك حتّی نقدمك علی عبیداللّه بن زیاد!

فقال له الحسین: الموتُ أدنی إلیك من ذلك!

ثم قال لاصحابه: قوموا فاركبوا. فركبوا وانتظروا حتّی ركبت نساؤهم، فقال لاصحابه: انصرفوا بنا. فلما ذهبوا لینصرفوا حال القوم بینهم وبین الانصراف، فقال الحسین للحرّ: ثكلتك أمّك! ما تُرید!؟

قال: أما واللّه لو غیرك من العرب یقولها لی وهو علی مثل الحال التی أنت


علیها ما تركت ذكر أُمِّه بالثكل أن أقوله، كائناًمن كان، ولكن واللّه مالی إلی ذكر أُمِّك من سبیل إلاّ بأحسن ما یُقدر علیه!

فقال له الحسین: فما تُرید!؟

قال الحرّ: أُرید واللّه أن أنطلق بك إلی عبیداللّه بن زیاد!

قال له الحسین: إذن واللّه لاأتّبعك!

فقال له الحرّ: إذن واللّه لاأَدَعُك!

فترادّا القول ثلاث مرّات، ولمّا كثر الكلام بینهما:

قال له الحرّ: إنّی لم أؤمر بقتالك وإنّما أُمرت أن لاأُفارقك حتّی أُقدمك الكوفة! فإذا أبیتَ فُخُذْ طریقاً لاتُدخلك الكوفة ولاتردّك إلی المدینة، لتكون بینی وبینك نصفاً، حتّی أكتب إلی ابن زیاد، وتكتب أنت إلی یزید بن معاویة إن أردت أن تكتب إلیه، أو إلی عبیداللّه بن زیاد إن شئت، فلعلّ اللّه إلی ذاك أن یأتی بأمر یرزقنی فیه العافیة من أن أُبتلی بشیء من أمرك. قال: فخُذ هاهنا فتیاسَرْ عن طریق العُذیب والقادسیّة. (وبینه وبین العذیب ثمانیة وثلاثون میلاً).

ثُمَّ إنَّ الحسین سار فی أصحابه، والحرُّ یسایره...). [2] .


[1] راجع: إبصار العين: 44.

[2] تأريخ الطبري، 3:307 والارشاد: 206 وانظر: أنساب الاشراف، 3 :380-381، والفتوح، 5 :134-139 بتفاوت.